رجعتُ إليها... ولكن
شاب عادي، بصدقٍ موجع وحكايةٍ ليست ككل الحكايات
2025-05-05 08:07:32 - Hayati
لم أكن يومًا شابًا يفتّش عن الحب، ولم أكن من أولئك الذين يسعون خلف العلاقات العاطفية بحثًا عن دفءٍ أو اهتمام. كنت أعيش بهدوء، وسط عالم يمضي سريعًا، إلى أن جاءت تلك المرأة.
كنت في التاسعة والعشرين من عمري حين عرفتها. امرأة في الرابعة والثلاثين، تكبرني بخمس سنوات، وتحمل من الماضي ما يكفي لطمس أعمار كاملة. لم تُخفِ عني شيئًا منذ البداية. قالتها بصراحة مؤلمة:
"أنا امرأة منكسرة. عشت علاقات كثيرة، أخطأت، ودفعت الثمن... ولستُ كما تتمنى."
رغم كل ذلك، لم أشعر بالنفور منها، لكنني لم أحبّها أيضًا. علاقتي بها بدأت بتعاطف، ثم تطورت إلى تعوّد، ثم أصبحت شيئًا لا أستطيع أن أسمّيه. لم أكن أرتاح معها، لم يكن قلبي ينبض كلما رأيتها، بل على العكس، كنت أشعر بشيء ثقيل لا أفهمه. ومع ذلك، كنت أعود.
في السنة الأولى من معرفتي بها، كنا نلتقي كثيرًا. كانت تظهر في كل تفاصيل يومي، تبعث لي الرسائل باستمرار، تطلب رؤيتي، تطلب دعمي، تطلب فقط أن أبقى. كنت ألبّي ذلك كله، لا بدافع الحب، بل بدافع أنني لا أستطيع أن أكون قاسيًا. كنت أساعدها ماديًا، أقف بجانبها حين تمرّ بأزمة، أستمع لها دون حماسة. وفي داخلي، كان هناك صوت يقول لي إنني "فاعل خير"، رجلٌ يقدم الدعم دون انتظار شيء بالمقابل.
لكن الحقيقة؟ كنت فقط أتهرب من قول الحقيقة. لم أحبها، ولم أردها زوجةً، ولم أكن أراها جزءًا من مستقبلي. وبعد مرور أول عام، بدأت أشعر بالضيق، بالانزعاج، بالثقل. بدأت أهرب، أختفي، أتحجّج، أتهرّب من اللقاءات، وأغلق هاتفي لساعات طويلة حتى لا أسمع صوتها.
ومع ذلك، لم تيأس. كانت تلحقني في كل مكان، من حساب لحساب، من رقم لرقم، كما لو أني الأمل الوحيد في عالمها المنكسر. وكانت تعود إليّ كل مرة بالكلمات نفسها: "أنا محتاجاك، ما تخلينيش". كنت أضعف، أعود أمدّ لها يد العون، أرسل لها المال حين تحتاج، أطمئن عليها عندما أشعر أنها تائهة. وكنت أقول لنفسي دائمًا:
"لو خليتها، ربما ترجع للماضي... ربما تدير شي مصيبة."
لم يكن في قلبي حب، ولكن كان في قلبي ذنب، وخوف، وشعور بالمسؤولية لا أفهمه.
كل من حولي كان ينصحني بالابتعاد. "راها كتمص فيك الطاقة"، "ماشي حب، راه تعلق"، "راها كتعيش بيك وهم وانتا كتزيد تطوّلو". وكنت أسمع، وأهز رأسي، لكنني لا أنفّذ. كنت خائفًا من أن أكون أنا الآخر الذي تخلّى عنها في منتصف الطريق، بعد كل الذين خذلوها.
ومرت الشهور... سنة، ثم سنتين، ثم ثلاث. في السنتين الأخيرتين، لم أعد أراها إطلاقًا. لكنها كانت ما تزال هناك. كأنّها ظلّي. كلما حاولت الابتعاد، عادت. كلما قطعت خيطًا، ربطته بخيط آخر. كنت أهرب وهي تلحق. وكنت أقول دائمًا: "أنا ماشي ضالم، أنا كندير الخير".
وفي أحد الأيام، بعد غياب طويل، وصلتني رسالة منها:
"أنا تغيرت، والله تغيرت... رجع ليّا، ما تخلينيش."
قرأت كلماتها مرات كثيرة. لم أدرِ ما الذي تغيّر فعلًا. لكن شيئًا داخلي دفعني للرجوع. رجعت، لا بدافع الشوق، بل بدافع أنني أردت أن أكون صادقًا مع نفسي: هل هي فعلاً تغيرت؟ هل كنت أنا السبب في ألمها؟ هل ظلمتها وأنا أزعم أنني فاعل خير؟
وعندما التقيتها، أدركت الحقيقة التي هربتُ منها طويلًا.
لم تتغير. التعلق ازداد. الاعتماد عليّ أصبح أشبه بإدمان. لم تعد تطلب وجودي من أجل الحب، بل من أجل ألا تسقط وحدها. وأنا؟ كنت أرى أمامي امرأة غارقة، وأنا لست سوى عوامة متهالكة لا تصلح لإنقاذ أحد.
في تلك اللحظة، فهمت شيئًا لم أفهمه لثلاث سنوات:
لا يمكنك أن تنقذ أحدًا لا يريد أن يسبح بمفرده.
كنت أظن أني أُعطيها فرصة. في الحقيقة، كنت أقتل فرصتي أنا. كنت أُطيل علاقتها بي، لا حبًا، بل شفقةً. وكانت هي تتعلّق أكثر، لأنني لم أكن حازمًا في رحيلي.
وفي النهاية، تركتُها… ولكن متأخرًا. تركتها وهي مشوشة، مرتبكة، لا تدري لماذا اختفيت فجأة بعد كل ما قدمت. لكنني تركتها وأنا أعرف تمامًا أن استمراري كان أذى لها أكثر من رحيلي.
اليوم، كلما تذكرتها، لا أشعر بالكره، ولا بالحب، بل بشيء يشبه الأسف. أسفٌ على شخص تعلّق بمن لا يحبّه، وأسف على شخص لم يملك الشجاعة ليقول "لا" في الوقت المناسب.