قصة واقعية لشاب سافر لأول مرة إلى بلد جديد بحثًا عن فرصة عمل أفضل، وكيف كانت ليلته الأولى مليئة بالخوف والوحدة قبل أن يبدأ رحلته في التأقلم وبناء حياته من جديد. قصة يبحث عنها القراء المهتمون بالغربة والهجرة.
كان “جلال” شابًا بسيطًا من عائلة متواضعة.
كان يحلم دائمًا بالسفر إلى الخارج، ليس حبًا في الهجرة، بل بحثًا عن فرصة لم يجدها في بلده.
أنهى دراسته، لكن العمل كان نادرًا، وإن وُجد فهو بأجور لا تكفي حتى لإيجار غرفة.
بعد أشهر من التفكير، اتخذ قراره.
قرر السفر إلى بلد جديد… بلد لا يعرف فيه أحدًا، ولا يعرف لغته حتى.
جمع مدخراته القليلة، باع بعض أغراضه، وودع عائلته.
كانت والدته تبكي بحرارة:
– انتبه لنفسك يا بني… الغربة قاسية.
– لا تخافي يا أمي… سأعود رجلًا أقوى.
لم يكن يعرف أن أمه كانت على حق… الغربة أقسى مما توقع بكثير.
الوصول إلى البلد الجديد
وصل جلال إلى المطار في الليل.
كانت المدينة كبيرة، مضاءة، مزدحمة رغم الوقت المتأخر.
كان كل شيء مختلفًا: الوجوه، اللغة، رائحة الهواء، شكل المباني.
كان يشعر كأنه طفل صغير ضاع من والديه.
حمل حقيبته وخرج يبحث عن سيارة أجرة.
تحدث إلى السائق بالإشارة وبكلمات بسيطة كان قد حفظها من الإنترنت.
أعطاه ورقة عليها عنوان شقة كان قد استأجرها عبر موقع إلكتروني.
طوال الطريق، كان ينظر من النافذة بقلق…
يسأل نفسه:
– هل فعلت الصواب؟
– هل سأجد عملًا؟
– هل سأستطيع الصمود؟
– ماذا لو فشلت؟
كانت الأسئلة تنهش قلبه.
الوصول إلى الشقة
وصل إلى المبنى.
كان قديمًا، مظلمًا من الخارج، وسلالمه ضيقة.
حمل حقيبته الثقيلة وصعد بصعوبة.
عندما فتح باب الشقة، وجدها صغيرة جدًا… أصغر بكثير مما توقع.
غرفة واحدة، سرير قديم، طاولة، ونافذة تطل على شارع ضيق.
لا يوجد أي صوت… فقط صمت شبيه بالخوف.
جلس على السرير، ووضع حقيبته بجانبه.
شعر فجأة بثقل الغربة.
ثقل الوحدة.
كانت هذه أول مرة ينام فيها بعيدًا عن أسرته.
لا أحد يسأل عنه.
لا أحد ينتظره.
لا أحد يعرف أنه في هذا المكان الآن.
الليلة الأولى… أصعب ليلة
عندما أطفأ الأنوار، شعر بقلق غريب.
كان يسمع أصواتًا من الشارع، خطوات في الممر، صوت باب يغلق، سيارة تمر بسرعة.
كان كل صوت يبدو أكبر من الواقع… لأنه كان خائفًا.
فتح هاتفه ووجد رسائل من أمه:
“طمّني عليك يا بني.”
لم يستطع الرد فورًا… الدموع كانت تمنعه.
كان يشعر بأنه وحيد جدًا…
وحيد لدرجة أن الغرفة كانت تضيق عليه.
كتب لها أخيرًا:
– وصلت بخير يا أمي… لا تقلقي.
لكن الحقيقة أنه لم يكن بخير.
صراع الأفكار
بدأت الأفكار تهاجمه:
– ماذا لو لم أجد عملًا؟
– كيف سأدفع الإيجار؟
– ماذا لو مرضت؟
– ماذا لو وقعت في مشكلة؟
– ماذا لو ضعت؟
كانت الأفكار مخيفة…
وكان عقله يضخم كل شيء.
حاول النوم لكنه لم يستطع.
ظل مستيقظًا لساعات، يستمع للأصوات المجهولة من حوله.
كانت تلك الليلة أطول ليلة في حياته…
وكأنه عاش فيها سنة كاملة.
بداية التأقلم
في الصباح، عندما رأى الضوء يدخل من النافذة، شعر ببعض الطمأنينة.
خرج إلى الشارع، ورأى الناس يمشون بشكل عادي، ضاحكين، يعملون، يعيشون.
قال في نفسه:
– ربما ليست الحياة هنا مخيفة كما ظننت.
بدأ يبحث عن عمل.
توجه إلى المقاهي، المطاعم، المحلات…
وفي نهاية اليوم وجد صاحب مطعم يوافق على توظيفه:
– سنجربك أسبوعًا… إذا نجحت نثبتك.
كانت هذه الجملة كافية لتعيد له الأمل.
أيام صعبة… لكن فيها أمل
عمل جلال بجهد كبير.
كان يستيقظ في السادسة صباحًا ويعود في منتصف الليل.
كان يتعلم اللغة من خلال الاحتكاك بالزبائن.
كان يخطئ كثيرًا، يضحك البعض عليه، لكن صاحب المطعم كان يشجعه.
في الليل كان يعود إلى شقته الصغيرة…
لكنها لم تعد مرعبة كما كانت في الليلة الأولى.
أصبحت مكانًا يستريح فيه من عناء اليوم.
وبعد شهر، جاءه صاحب المطعم وقال له:
– عملك ممتاز… سأثبتك، وسأرفع راتبك.
ظل جلال واقفًا لثوانٍ غير مصدق…
ثم ابتسم ابتسامة كبيرة لم يبتسم مثلها في حياته.
ستة شهور بعد الليلة الأولى
بعد نصف سنة، أصبح جلال يعرف المدينة جيدًا.
أصبح لديه أصدقاء جدد.
يتحدث اللغة بشكل أفضل.
يضحك… يخرج… ويعيش.
وكان يقول دائمًا:
“الليلة الأولى كانت جحيمًا… لكني احتجتها كي أولد من جديد.”
العودة بعد سنتين
بعد عامين، عاد جلال إلى بلده في زيارة.
كانت أسرته فخورة به.
لم يعد ذلك الشاب القلق…
أصبح رجلاً يعتمد على نفسه.
وفي جلسة العائلة، قالت له والدته:
– كيف كانت أول ليلة لك هناك؟
ابتسم وقال:
– كانت أصعب ليلة في حياتي… لكنها علمتني أن الخوف مجرد بداية، وليس نهاية.