يحكى أنّ رجلاً بسيط الحال، لم يكن يملك من الدنيا سوى كوخ قديم وزوجة وفية وطفل لم يتجاوز أيامه الأولى. ومع ضيق المعيشة، جلس مع زوجته ليلةً وقال لها:
"سأسافر لأبحث عن رزق كريم، وأقسم أني سأعود بعد عشرين عامًا تمامًا، فإن زدتُ يومًا واحدًا فأنتِ في حلٍّ من عهدي."
أطرقت الزوجة بعينين دامعتين، ووعدته أن تنتظر، ثم ودّعها وخرج إلى غربة طويلة.
مضت الأعوام، وعمل الرجل في بلد بعيد عند صاحب طاحونة قمح، فأحبه صاحبها لبذله وإخلاصه. حتى إذا انقضت السنوات العشرون، قال الرجل:
"قد حان وقت العودة، لقد عاهدتُ زوجتي."
لكن صاحب الطاحونة توسّل إليه أن يمكث عامًا آخر، ثم أعطاه ثلاث قطع ذهبية عربون محبته ووداعه.
في طريق العودة، التقى بثلاثة مسافرين، وكان بينهم شيخ غريب ساكت يراقب الطيور ويبتسم. تعجّب الفقير، فقال له رفيقاه: "إنه يفهم لغة الطير، لكنه لا ينطق إلا بكلمات ثمينة لا يقولها إلا بمقابل."
فأعطاه الرجل قطعة ذهبية، فقال الشيخ: "إيّاك أن تعبر ماءً هائجًا."
ثم أعطاه الثانية، فقال: "إن رأيت النسور تحوم، فاقترب لتعرف السبب."
وأخيرًا، دفع الثالثة، فقال: "إذا هممت بفعل، فعدّ في نفسك حتى خمسٍ وعشرين."
ابتسم الرجل ساخرًا من النصائح البسيطة، لكن الأيام أثبتت أنها أغلى من الذهب.
فحين بلغ نهراً عاصفاً، همّ بالعبور، فتذكّر النصيحة الأولى، فجلس ينتظر. وما هي إلا لحظات حتى غرق فارس حاول العبور أمامه، ولولا الحكمة لهلك معه.
ومرّ لاحقًا بغابة ورأى نسورًا تحوم، فتذكّر النصيحة الثانية، فاقترب بحذر، ليجد ثلاثة لصوص قد قتل بعضهم بعضًا واختلفوا على الغنيمة. فالتقط المال والنجاة.
وفي الغروب، وصل إلى بيته. وقف أمام نافذة مضيئة، فرأى زوجته تجلس مع شاب لا يعرفه. غلى الدم في عروقه، وظنّها قد خانت عهده، فقبض على سلاحه.
لكن صدى النصيحة الثالثة دوّى في ذهنه: "عد حتى خمسٍ وعشرين."
فبدأ يعد: واحد... اثنان... ثلاثة...
وفي تلك اللحظة، سمع صوت الشاب يقول: "يا أمي، غدًا سأبدأ رحلتي لأبحث عن أبي الذي غاب منذ عشرين عامًا."
تجمّد الرجل في مكانه، وذرفت عيناه دموعًا ساخنة، فقد كان "الغريب" ولده الذي لم يعرفه.
دخل الدار والدموع تسبق كلماته، فعانق زوجته وولده، وحمد الله على أن الحكمة أنقذته من كارثة. ومنذ ذلك اليوم صار يردد:
"التفكير قبل الفعل نجاة، والصبر نصف الحكمة."