قصة: لو لم يكن ولدي...
امرأة تكتشف خيانة زوجها فتواجهها بصمتٍ مؤلم، تتركه يعيش قراره دون انتقام، حتى يعود إليها نادمًا بعد أن خسر كل شيء.
قصة واقعية مؤثرة عن الصبر والكرامة والغفران،
تقرأها فتتعلّم أن بعض النهايات ليست فراقًا… بل بداية جديدة
لم أكن أظن أن الصمت قد يكون أحيانًا أقوى من الصراخ.
ذلك اليوم الذي دخل فيه عليّ، بعينين لا تحملان حبًّا ولا دفئًا، فقط برود رجلٍ قرر أن يرحل.
قالها بهدوءٍ مريب:
– "غادي نتزوج."
ابتسمتُ دون أن أشعر، وقلت:
– "الله يسهّل عليك."
لم أجادله، لم أعاتبه، لم أنهار كما توقّع.
كنت أعرف أن الدموع لن تُعيد رجلاً قرر أن يرى الحياة في مكانٍ آخر.
هو كان ينتظر انهياري... ينتظر أن أتوسل إليه.
لكنه صُدم حين وجدني واقفة أمامه بثباتٍ غريب، كأنني لم أسمع شيئًا.
اشترطت عليه شرطًا واحدًا فقط:
> "لن أخرج من بيتي، وسأبقى مع ولدي."
وافق بصمت، كمن ارتاح من عبءٍ ثقيل،
وغادر تاركًا وراءه بيتًا أطفأ فيه كل شيء: صوته، ورائحته، وحتى ظله.
---
مرت الأيام ببطءٍ خانق،
كنت أستيقظ على صوت ولدي الصغير يسألني:
– "ماما، فين بابا؟"
فأجيبه بابتسامةٍ باهتة:
– "بابا مسافر يخدم."
لم أكن أكذب عليه، كنت فقط أُخفي الحقيقة بقطعة حبٍّ صغيرةٍ من قلبي.
كنت أطبخ، أضحك معه، أقرأ له القصص قبل النوم،
لكنّ عينيّ كانتا تخوناني كل ليلة حين أنظر إلى السرير الفارغ.
رجلٌ أحببته يومًا، صار غريبًا في يومٍ واحد.
---
في المساء الذي سمعته يعود لأول مرة بعد زواجه،
كنت أجلس في الصالون أُحضّر العشاء،
سمعت صوت المفتاح، ثم خطواته المترددة.
دخل، نظر حوله كمن يبحث عن الأمان، ثم قال:
– "ما قدرتش ننعس."
أجبته وأنا أقطع الخبز بهدوء:
– "البيت ما عاد بيتك، النوم صعب لما تكون غريب عنه."
جلس على الكرسي دون إذن، كان يرمقني بصمتٍ يشبه الاعتراف،
ثم قال:
– "ما كرهتكش، غير داخت بيا الدنيا."
نظرت إليه مطولًا، وقلت:
– "لو لم يكن بيننا ولدي، لما رأيتني ثانية."
رفع عينيه نحوي، صامتا، كأنّ الكلام اختنق في صدره.
---
بعد زواجه بشهور،
كانت حياته الجديدة تذوب مثل شمعةٍ في ريحٍ لا ترحم.
سمعت من الجيران أنه يسافر كثيرًا، أنه يعيش صراعًا مع زوجته الجديدة.
أما أنا، فكنت أبدو هادئة،
لكن في داخلي، كان هناك شيء أكبر من الحزن،
كان هناك **نضج**، تلك المرحلة التي لا تكره فيها، ولا تنتقم،
بل تكتفي بالسكوت لأنك فهمت كل شيء.
لم أكن أكرهه،
لكنني كنت أعلم أنه سيفهم يومًا أنه خسر امرأة لم تطلب شيئًا سوى الوفاء.
---
وذات مساء، جاء ابني يركض نحوي قائلاً:
– "ماما، بابا جا!"
توقفت، لم أعرف ما أقول.
رأيته يقف بالباب، نحيلًا، متعبًا، ملامحه شاحبة كأنه لم ينم منذ أيام.
ركض إليه ولدي، فاحتضنه بشوقٍ كبير،
وانهمرت من عينيه دمعة حاول أن يخفيها.
قلت له بهدوء:
– "تفضل، العشاء جاهز."
جلس أمامي كضيفٍ غريب،
كان يتحدث بحذر، يضحك بتردد،
ثم قال فجأة:
– "اشتقت لهدوء هذا البيت."
فأجبته بابتسامةٍ باردة:
– "الهدوء الذي تشتاقه هو الهدوء الذي تركته بيدك."
لم يجب، فقط ظلّ ينظر إلى ولده وهو يضحك.
كان ذلك المشهد وحده كافياً ليكسر شيئًا في قلبه.
---
مرت الأيام بعد تلك الزيارة، وصار يعود أكثر.
في البداية بحجة الاطمئنان على ابنه،
ثم صار يأتي دون مبرر.
كنت أتعامل معه كضيفٍ مهذب،
لكنه كان يقرأ في عينيّ أنني ما عدت تلك المرأة التي تركها.
وذات ليلة،
رنّ الجرس بعد منتصف الليل،
فتحت الباب، فوجدته واقفًا تحت المطر.
عيناه محمرتان، وصوته مبحوح وهو يقول:
– "سامحيني... ما عرفت قيمتك إلا لما مشيتي من قلبي."
قلت له بهدوءٍ مؤلم:
– "أنا لم أذهب، أنت الذي أغلقت الباب ورائي."
اقترب مني خطوة وقال:
– "رجعيني، مش على خاطرك... على خاطرنا كاملين. على خاطر ولدي."
نظرت إليه طويلًا،
كانت قلبي بين الغفران والكرامة.
وفي لحظةٍ واحدة، تذكرت كل الليالي،
كل الوجع الذي سهرت فيه وحدي.
ثم قلت له:
– "إن كنت عائدًا لتعتذر، فقد غفرت.
لكن إن كنت عائدًا لأنك ضائع، فابحث عن نفسك أولاً قبل أن تطرق بابي."
بقي صامتًا، والمطر يغسل وجهه.
ثم قال بصوتٍ متعب:
– "والله، رجوعي مش ندم... رجوعي حبّ جديد."
---
تلك الليلة لم أنم.
كنت أفكر في كلماته،
في وجعه، في نظرة ابني حين رأى والده يقف في المطر.
ورغم كل شيء، كان قلبي لا يزال ينبض حين أسمع اسمه.
مرّ أسبوع، ولم يظهر.
ثم في مساء الجمعة،
رنّ الهاتف، وكان صوته هذه المرة أكثر دفئًا.
قال لي:
– "اليوم آخر يوم في الشغل... وبغيت نجي نتعشى معاكم، بحال زمان."
أغلقت الهاتف دون أن أردّ.
لكني حين سمعت طرق الباب بعد ساعة،
وجدت ولدي يركض ويصرخ:
"ماما! بابا جاب لينا الورد!"
كان واقفًا يحمل باقة من الزهور البيضاء،
وعينيه تلمعان كأنه عثر أخيرًا على الطريق.
اقترب مني وقال:
– "ما بغيت نعيش بلاكم، ولا بغيت دار ما فيها ضحكة ولدي."
تردّدت لحظة، ثم فتحت الباب أكثر،
ودعوتُه إلى الداخل.
جلس معنا، ضحك، أكل، حكى عن عمله،
وعن كيف غيّرته الأيام.
وحين نام ولدي بيننا تلك الليلة،
قال لي بصوتٍ خافت:
– "الآن فقط فهمت معنى البيت."
في الصباح، فتحت النافذة،
كانت أشعة الشمس تدخل على وجهه وهو نائم بجانب ابنه.
لم أوقظه، فقط ابتسمت وقلت في نفسي:
> "ربما الغفران لا يُعيد الماضي...
> لكنه أحيانًا يخلق بداية أجمل من كل البدايات."
خرجت إلى المطبخ لأُحضّر القهوة،
وكنت أشعر – لأول مرة منذ سنوات –
أن هذا البيت عاد **يَتنفّس م
ن جديد**.